فصل: فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام النَّظَر وَنَحْوه كَالْمَسِّ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصَلِّ فِي بَيَان أَحْكَام النَّظَر وَنَحْوه كَالْمَسِّ:

(وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالطَّبِيبِ) أَيْ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ النَّظَرِ ضَرُورَةً فَيُرَخَّصُ لَهُ إحْيَاءً لِحُقُوقِ النَّاسِ وَدَفْعًا لِحَاجَتِهِمْ (وَالْخَاتِنُ وَالْخَافِضَةُ) بِالْخَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الَّتِي تَخْتِنُ النِّسَاءَ (وَالْقَابِلَةُ وَالْحَاقِنُ) الَّذِي يَعْمَلُ الْحُقْنَةَ (وَلَا يَتَجَاوَزُ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (قَدْرَ الضَّرُورَةِ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَغُضُّوا أَبْصَارَهُمْ مِنْ غَيْرِ مَوْضِعِ الْمَرَضِ وَالْخِتَانِ وَالْحُقْنَةِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَيَنْبَغِي لِلطَّبِيبِ أَنْ يُعَلِّمَ امْرَأَةً إذَا كَانَ الْمَرِيضُ امْرَأَةً إنْ أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ نَظَرَ الْجِنْسِ إلَى الْجِنْسِ أَخَفُّ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَسْتُرُ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهَا سِوَى مَوْضِعِ الْمَرَضِ ثُمَّ يَنْظُرُ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَا اسْتَطَاعَ؛ لِأَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا.
(وَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ وَقَدْ بَيَّنْت فِي الصَّلَاةِ) أَنَّ الْعَوْرَةَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ أَبُو عِصْمَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ حُكْمُ الْعَوْرَةِ فِي الرُّكْبَةِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْفَخِذِ وَفِي الْفَخِذِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي السَّوْأَة حَتَّى يُنْكِرَ عَلَيْهِ فِي كَشْفِ الرُّكْبَةِ بِرِفْقٍ وَفِي الْفَخِذِ بِعُنْفٍ.
وَفِي السَّوْأَة بِضَرْبٍ إنْ أَصَرَّ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْأَوْلَى تَنْكِيرُ الرَّجُلِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الثَّانِيَ عَيْنُ الْأَوَّلِ وَكَذَا الْكَلَامُ فِيمَا بَعْدُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَمْرَدِ الصَّبِيحِ الْوَجْهِ وَكَذَا الْخَلْوَةُ وَلِذَا لَمْ يُؤْمَرْ بِالنِّقَابِ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ انْتَهَى.
(وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ) الْمُسْلِمَةُ (مِنْ الْمَرْأَةِ) لِوُجُودِ الْمُجَانِسَةِ وَانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَشْتَهِي الْمَرْأَةَ كَمَا لَا يَشْتَهِي الرَّجُلُ الرَّجُلَ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الِانْكِشَافِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ وَعَنْ الْإِمَامِ إنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ كَنَظَرِ الرَّجُلِ ذَوَاتَ مَحَارِمِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ.
(وَ) مِنْ (الرَّجُلِ إلَى مَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ) أَيْ إلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ (إنْ أُمِنَتْ الشَّهْوَةُ) وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ النِّسَاءُ وَالرِّجَالُ فَكَانَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مِنْهُ مَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي قَلْبِهِ شُهْرَةٌ أَوْ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهَا إنَّهَا تَشْتَهِي أَوْ شَكَّتْ فِي ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَغُضَّ بَصَرَهَا وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ هُوَ النَّاظِرُ إلَى مَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ مِنْهَا كَالْوَجْهِ وَالْكَفِّ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حَتْمًا مَعَ الْخَوْفِ وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْمُسْلِمَةِ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّةَ كَالرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَصَحِّ إلَى بَدَنِ الْمُسْلِمَةِ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى.
وَفِي الْمُجْتَبَى وَالتَّنْوِيرِ وَكُلُّ عُضْوٍ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَشَعْرِ رَأْسِهَا.
(وَيَنْظُرُ) الرَّجُلُ (إلَى جَمِيعِ بَدَنِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ (وَطْؤُهَا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «غُضَّ بَصَرَك إلَّا عَنْ زَوْجَتِك وَأَمَتِك» قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ يُورِثُ النِّسْيَانَ وَكَذَا لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ عَوْرَةَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَا يَنْظُرُ إلَى عَوْرَتِهِ وَلَا يَمَسُّهَا بِيَمِينِهِ قَطُّ وَقَالَ الْبَعْضُ إنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَتِهِ وَقْتَ الْوِقَاعِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ وَقَيَّدَ الْأَمَةَ بِكَوْنِهَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِأَنَّ مَا لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا كَأَمَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ الْمَنْكُوحَةِ لِلْغَيْرِ أَوْ الْمَجُوسِيَّةِ لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا (وَ) يَنْظُرُ (مِنْ مَحَارِمِهِ) نَسَبًا وَرَضَاعًا أَوْ مُصَاهَرَةً بِالنِّكَاحِ وَكَذَا بِالسِّفَاحِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَلِذَا قَالَ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ وَالْمُصَاهَرَةُ وَإِنْ كَانَ زِنًا.
(وَ) مِنْ (أَمَةِ غَيْرِهِ) وَلَوْ مُكَاتَبَةً أَوْ مُدَبَّرَةً أَوْ أُمَّ وَلَدٍ أَوْ مُعْتَقَةَ الْبَعْضِ عِنْدَهُ (إلَى الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَالصَّدْرِ وَالسَّاقِ وَالْعَضُدِ) إنْ أَمِنَ شَهْوَتَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} إذْ الْمُرَادُ بِالزِّينَةِ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ مَوْضِعُ التَّاجِ وَالشَّعْرَ مَوْضِعُ الْعِقَاصِ وَالْوَجْهَ مَوْضِعُ الْكُحْلِ وَالْعُنُقَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَى الصَّدْرِ وَالْأُذُنَ مَوْضِعُ الْقُرْطِ وَالْعَضُدَ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ وَالسَّاعِدَ مَوْضِعُ السُّوَرِ وَالْكَفَّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالسَّاقَ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ وَالْقَدَمَ مَوْضِعُ الْخِضَابِ فَحَلَّ النَّظَرُ لِلْمَحَارِمِ إلَى تِلْكَ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَكُونُ فِي بَيْتِهَا فِي ثَبَاتِ مِهْنَتِهَا عَادَةً وَلَا تَكُونُ مُسْتَتِرَةً وَيَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ بَعْضُ الْمَحَارِمِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَلَوْ حُرِّمَ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَكَذَا الرَّغْبَةُ تَقِلُّ لِلْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ فَقَلَّمَا تُشْتَهَى بِخِلَافِ مَا وَرَاءَهَا لِأَنَّهَا لَا تَنْكَشِفُ عَادَةً وَحُكْمُ أَمَةِ الْغَيْرِ كَحُكْمِ الْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ لِحَوَائِجِ مَوْلَاهَا فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إذَا رَأَى جَارِيَةً مُقَنَّعَةً يَضْرِبُهَا بِالدِّرَّةِ وَيَقُولُ أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارُ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ فَإِنَّهُ قَالَ يَنْظُرُ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا.
(وَلَا بَأْسَ بِمَسِّهِ) أَيْ بِمَسِّ الرَّجُلِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهَا مِنْ مَحَارِمِهِ وَأَمَةِ غَيْرِهِ (بِشَرْطِ أَمْنِ الشَّهْوَةِ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ) لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ بِالْإِرْكَابِ وَالْإِنْزَالِ فِي الْمُسَافَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ وَكَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يُقَبِّلُ رَأْسَ بِنْتِهِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَيَقُولُ أَجِدُ مِنْهَا رِيحَ الْجَنَّةِ» (وَلَا يَنْظُرُ) الرَّجُلُ (إلَى الْبَطْنِ وَالظَّهْرِ وَالْفَخِذِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَمِنَ) أَيْ عَنْ الشَّهْوَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوَاضِعَ الزِّينَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِ مَحَارِمِهِ وَبَطْنِهَا.
(وَلَا) يَنْظُرُ الرَّجُلُ (إلَى الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَّا إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ إنْ أَمِنَ) الشَّهْوَةَ؛ لِأَنَّ إبْدَاءَ الْوَجْهِ وَالْكَفِّ يَلْزَمُهَا بِالضَّرُورَةِ لِلْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى قَدَمَيْهَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فِي إبْدَائِهِمَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الْإِمَامِ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى قَدَمَيْهَا إذَا ظَهَرَتَا فِي حَالِ الْمَشْيِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى ذِرَاعِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا قَدْرٌ يَبْدُو مِنْهَا عَادَةً (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ الشَّهْوَةَ (وَلَا يَجُوزُ) النَّظَرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ نَظَرَ إلَى مَحَاسِنِ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ صُبَّتْ فِي عَيْنَيْهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالُوا وَلَا بَأْسَ بِالتَّأَمُّلِ فِي جَسَدِهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ مَا لَمْ يَكُنْ ثَوْبٌ يُبَيِّنُ حَجْمَهَا فِيهِ فَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (لِغَيْرِ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْأَدَاءِ) فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ التَّحَمُّلِ أَنْ يَنْظُرَ مَعَ عَدَمِ أَمْنِ الشَّهْوَةِ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَشْتَهِي فِي التَّحَمُّلِ لَيْسَ بِمَعْدُومٍ بِخِلَافِ مَنْ يُؤَدِّيهَا وَقِيلَ يُبَاحُ كَمَا فِي النَّظَرِ عِنْدَ الْأَدَاءِ (وَالْحَاكِمُ عِنْدَ الْحُكْمِ) وَإِنْ لَمْ يَأْمَنَا؛ لِأَنَّهُمَا مُضْطَرَّانِ إلَيْهِ فِي إقَامَةِ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ عَلَيْهَا كَمَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى الْعَوْرَةِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا (وَلَا يَجُوزُ مَسُّ ذَلِكَ) أَيْ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ.
(وَإِنْ أَمِنَ) الشَّهْوَةَ (إنْ كَانَتْ) الْمَرْأَةُ (شَابَّةً) قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ وُضِعَ عَلَى كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَلِأَنَّ اللَّمْسَ أَغْلَظُ مِنْ النَّظَرِ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ فِيهِ أَكْثَرُ (وَيَجُوزُ) مَسُّهُ (إنْ) كَانَتْ (عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى) لِانْعِدَامِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ (أَوْ هُوَ شَيْخٌ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا) وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ أَوْ عَلَيْهَا لَا يَحِلُّ لَهُ مُصَافَحَتُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْفِتْنَةِ (وَيَجُوزُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ مَعَ خَوْفِ الشَّهْوَةِ عِنْدَ إرَادَةِ الشِّرَاءِ) لِلضَّرُورَةِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَأَطْلَقَ أَيْضًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ وُجُودِ الشَّهْوَةِ وَعَدَمِهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّظَرِ أَوْ فِي الْمَسِّ حَيْثُ قَالَ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً لَا بَأْسَ بِأَنْ يَمَسَّ سَاقَهَا وَذِرَاعَهَا وَصَدْرَهَا وَيَنْظُرُ إلَى صَدْرِهَا وَسَاقِهَا مَكْشُوفَيْنِ وَقَالَ مَشَايِخُنَا يُبَاحُ النَّظَرُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ اشْتَهَى لِلضَّرُورَةِ وَلَا يُبَاحُ الْمَسُّ إذَا اشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْثَرَ رَأْيِهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ نَوْعُ اسْتِمْتَاعٍ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الشِّرَاءَ يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ مَعَ الشَّهْوَةِ دُونَ الْمَسِّ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ لِلْمُصَنِّفِ التَّفْصِيلُ (أَوْ النِّكَاحِ) فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا مَعَ الشَّهْوَةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ الْمُغِيرَةَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اُنْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَدُومَ بَيْنَكُمَا».
(وَالْعَبْد مَعَ سَيِّدَتِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ) مِنْ الرِّجَالُ حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُبْدِيَ مِنْ زِينَتِهَا إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ تُبْدِيَهُ لِلْأَجْنَبِيِّ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ سَيِّدَتِهِ إلَّا مَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ كَالْمَحْرَمِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ (وَالْمَجْبُوبُ وَالْخَصِيُّ كَالْفَحْلِ) أَمَّا الْمَجْبُوبُ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ فَيُنْزِلُ قِيلَ إنْ جَفَّ مَاءُ الْمَجْبُوبِ يَحِلُّ اخْتِلَاطُهُ بِالنِّسَاءِ فِي حَقِّهِ وَقِيلَ لَا يَحِلُّ فِي الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْخَصِيُّ فَلِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْخِصَاءُ مُثْلَةٌ فَلَا يُبِيحُ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ فَحْلٌ يُجَامَعُ وَكَذَا الْمُخَنَّثُ فِي الرَّدِيءِ مِنْ الْأَفْعَالِ كَالْفَحْلِ الْفَاسِقِ.
(وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَبِّلَ الرَّجُلَ) سَوَاءٌ كَانَ فَمَه أَوْ يَدَهُ أَوْ عُضْوًا مِنْهُ وَكَذَا تَقْبِيلُ الْمَرْأَةِ فَمَ امْرَأَةٍ أَوْ خَدَّهَا عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالْوَدَاعِ (أَوْ يُعَانِقُهُ فِي إزَارٍ بِلَا قَمِيصٍ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «عَانَقَ جَعْفَرَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ الْحَبَشَةِ وَقَبَّلَ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ «قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ لَا قُلْنَا أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ قَالَ نَعَمْ» قَالُوا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا غَيْرُ الْإِزَارِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِمَا قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْمَنْصُورِ: إنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْ الْمُعَانَقَةِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الشَّهْوَةِ وَأَمَّا عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالْكَرَامَةِ فَجَائِزٌ عِنْدَ الْكُلِّ (وَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ)؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ مُتَوَارَثَةٌ فِي السُّنَّةِ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُصَافَحَةِ بِكِلْتَا يَدَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ مُضَاجَعَةُ الرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي جَانِبٍ عَنْ الْفِرَاشِ كَمَا فِي التَّنْوِيرِ.
(وَ) لَا بَأْسَ (تَقْبِيلِ يَدِ الْعَالِمِ) أَوْ الزَّاهِدِ إعْزَازًا لِلدِّينِ (أَوْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ) لِعَدْلِهِ وَيَدِ غَيْرِهِمْ بِتَعْظِيمِ إسْلَامِهِ وَإِكْرَامِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ تَقْبِيلُ يَدِ الْعَالِمِ أَوْ السُّلْطَانِ الْعَادِلِ سُنَّةٌ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُبَارَكٍ فَقَبَّلَ رَأْسَهُ لَكِنَّ تَقْبِيلَ رَأْسِ الْعَالِمِ أَجْوَدُ.
وَقَالَ شَرَفُ الْأَئِمَّةِ لَوْ طَلَبَ مِنْ عَالِمٍ أَوْ زَاهِدٍ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قَدَمَهُ لِيُقَبِّلَهُ لَمْ يُجِبْهُ وَقِيلَ أَجَابَهُ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يُقَبِّلُونَ أَطْرَافَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَتَقْبِيلُ يَدِ نَفْسِهِ مَكْرُوهٌ كَتَقْبِيلِ الْأَرْضِ بَيْنَ يَدَيْ الْعُلَمَاءِ وَالسَّلَاطِينِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَالْفَاعِلُ وَالرَّاضِي آثِمَانِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَةَ الْوَثَنِ هَذَا عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ فَلَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ يَكْفُرُ وَكَذَا مَنْ سَجَدَ لَهُ عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ لَا يَكْفُرُ وَلَكِنْ يَصِيرُ آثِمًا مُرْتَكِبًا لِلْكَبِيرَةِ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالسَّجْدَةِ مُطْلَقًا وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ السُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كُفْرٌ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَسْجُدَ لِلْمَلِكِ أَفْضَلُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَلَوْ سَجَدَ عِنْدَ السُّلْطَانِ عَلَى وَجْهِ التَّحِيَّةِ لَا يَصِيرُ كَافِرًا.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الْإِيمَاءُ فِي السَّلَامِ إلَى قَرِيبِ الرُّكُوعِ كَالسُّجُودِ.
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ وَيُكْرَهُ الِانْحِنَاءُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ يُكْرَهُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَفِي الْقُنْيَةِ قِيَامُ الْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ لِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَكَذَا الْقِيَامُ لِغَيْرِهِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ مَحَبَّةُ الْقِيَامِ مِمَّنْ يُقَامُ لَهُ فَإِنْ لَمْ يُحِبَّ الْقِيَامَ وَقَامُوا لَهُ لَا يُكْرَهُ لَهُمْ وَكَذَا لَا يُكْرَهُ قِيَامُ قَارِئِ الْقُرْآنِ لِمَنْ يَجِيءُ عَلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ التَّعْظِيمَ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَقُومَ بَيْنَ يَدَيْ الْعَالِمِ تَعْظِيمًا لَهُ فَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ.
(وَيَعْزِلُ) الْمَوْلَى مَاءَهُ (عَنْ أَمَتِهِ) عِنْدَ الْجِمَاعِ (بِلَا إذْنِهَا) أَيْ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِي الْوَطْءِ (لَا) يَعْزِلُ الزَّوْجُ (عَنْ زَوْجَتِهِ إلَّا بِالْإِذْنِ) لِأَنَّ لَهَا حَقًّا فِي الْوَطْءِ (وَلَا تُعْرِضُ الْأَمَةُ إذَا بَلَغَتْ فِي إزَارٍ وَاحِدٍ) لِوُجُودِ الِاشْتِهَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْإِزَارِ مَا يَسْتُرُ بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ظَهْرَهَا وَبَطْنَهَا عَوْرَةٌ فَلَا يَجُوزُ كَشْفُهُمَا.

.فَصَلِّ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الِاسْتِبْرَاءِ:

(الِاسْتِبْرَاءِ) وَهُوَ طَلَبُ الْبَرَاءَةِ مُطْلَقًا وَهُنَا طَلَبُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ (مَنْ مَلَكَ أَمَةً) رَقَبَةً وَيَدًا (بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَهِبَةٍ وَرُجُوعٍ عَنْهَا أَوْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ عِتْقِ عَبْدٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ فَسْخِ بَيْعٍ بَعْدَ الْقَبْضِ أَوْ دَفْعٍ بِجِنَايَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (يَحْرُمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَالِكِ (وَطْؤُهَا وَ) يَحْرُمُ (دَوَاعِيهِ) أَيْ دَوَاعِي الْوَطْءِ كَالْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ لِإِفْضَائِهَا إلَى الْوَطْءِ أَوْ لِاحْتِمَالِ وُقُوعِهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ إذَا ظَهَرَ الْحَبَلُ وَادِّعَاءُ الْبَائِعِ هَذَا رَدٌّ لِمَنْ قَالَ لَا يَحْرُمُ الدَّوَاعِي لِأَنَّ الْوَطْءَ إنَّمَا حُرِّمَ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءُ وَيَشْتَبِهَ النَّسَبُ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الدَّوَاعِي (حَتَّى يَسْتَبْرِئَ) الْمَالِكُ (بِحَيْضَةٍ فِيمَنْ تَحِيضُ وَبِشَهْرٍ فِي غَيْرِهَا) أَيْ تَسْتَبْرِئُ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ فِي الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ وَالْمُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ فَإِنَّ الشَّهْرَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَيْضِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَإِذَا حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ يُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ كَالْمُعْتَدَّةِ بِالشُّهُورِ إذَا حَاضَتْ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطِئُوا الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَبَبِ إحْدَاثِ الْمِلْكِ وَالْيَدِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ صِيَانَةً لِلْمِيَاهِ الْمُحَرَّمَةِ عَنْ الِاخْتِلَاطِ وَالْأَنْسَابِ عَنْ الِاشْتِبَاهِ وَالْوَلَدِ عَنْ الْهَلَاكِ وَذَلِكَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشُّغْلِ أَوْ تَوَهُّمِهِ بِمَاءٍ مُحْتَرَمٍ.
(وَفِي) أَمَةٍ (مُرْتَفِعَةِ الْحَيْضِ) لِآفَةٍ بِأَنْ صَارَتْ مُمْتَدَّةَ الطُّهْرِ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ (لَا بِإِيَاسٍ) يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ (بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ)؛ لِأَنَّهَا عِدَّةُ الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ لِيَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ وَفِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَا تُفِيدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ)؛ لِأَنَّهَا مُدَّةُ فَرَاغِ رَحِمِ الْحُرَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنَّا زَوْجُهَا (وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ بِنِصْفِهَا) أَيْ بِشَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ.
وَفِي الْمِنَحِ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ مَتَى صَلَحَتْ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ شُغْلٍ يُوهِمُ بِالنِّكَاحِ فِي الْإِمَاءِ فَلَأَنْ يَحْصُلَ لِلتَّعَرُّفِ عَنْ شُغْلٍ يُتَوَهَّمُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَهُوَ دُونَهُ أَوْلَى.
(وَفِي) الْأَمَةِ (الْحَامِلِ) الِاسْتِبْرَاءُ (بِوَضْعِهِ) أَيْ بِوَضْعِ حَمْلِهَا لِمَا رَوَيْنَا آنِفًا.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَتْ) الْأَمَةُ (بِكْرًا) مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يَحْرُمُ (أَوْ مَشْرِيَّةً مِنْ امْرَأَةٍ أَوْ) مِنْ (مَالِ طِفْلٍ) بِأَنْ بَاعَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي الْغَايَةِ (أَوْ مِمَّنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا) كَالْمُحَرَّمِ رَضَاعًا أَوْ مُصَاهَرَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَكِنْ غَيْرُ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ حَتَّى لَا تَعْتِقَ الْأَمَةُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ إقَامَةً لِتَوَهُّمِ شَغْلِ الرَّحِمِ مَقَامَ تَحَقُّقِهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ إذْ الْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى السَّبَبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا تَيَقَّنَ بِفَرَاغِ رَحِمِهَا مِنْ مَاءِ الْبَائِعِ لَمْ يُسْتَبْرَأْ.
وَفِي الْإِصْلَاحِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ كَلَامٌ.
وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ جَوَابٌ إنْ شِئْت فَرَاجِعْهُمَا.
(وَيُسْتَحَبُّ الِاسْتِبْرَاءُ لِلْبَائِعِ) أَيْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ يُرِيدُ بَيْعَ أَمَتِهِ الْمَوْطُوءَةَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِتَرْكِ الْوَطْءِ تَجَنُّبًا عَنْ احْتِمَالِ اشْتِغَالِ رَحِمِ مَا أَرَادَ بَيْعَهَا بِمِائَةٍ (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ قَائِمٌ وَيَقْتَضِي جَوَازُ وَطْئِهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ (وَلَا تَكْفِي) فِيمَا يَكْفِي فِي الِاسْتِبْرَاءِ (حَيْضَةٌ مَلَكَهَا) الْمُشْتَرِي (فِيهَا) أَيْ فِي الْحَيْضَةِ يَعْنِي لَا يُعْتَبَرُ بِالْحَيْضَةِ الَّتِي اشْتَرَى بِهَا فِي خِلَالِ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهَا الْحَيْضَةُ الْكَامِلَةُ (وَلَا) تَكْفِي الْحَيْضَةُ (الَّتِي) حَدَثَتْ بَعْدَ تَمَلُّكِهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ (قَبْلَ الْقَبْضِ) أَيْ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ قَبْلَ عِلَّتِهِ وَهُوَ الْمِلْكُ وَالْيَدُ جَمِيعًا فَلَا يُعْتَبَرُ أَحَدُهُمَا (أَوْ) الَّتِي حَاضَتْ بِهَا (قَبْلَ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ) أَيْ بَاعَهَا الْفُضُولِيُّ فَحَاضَتْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يُعْتَبَرُ بِالْحَاصِلِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ.
(وَكَذَا الْوِلَادَةُ) أَيْ لَا تَكْفِي الْوِلَادَةُ الَّتِي حَصَلَتْ بَعْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ (وَتَكْفِي حَيْضَةٌ وُجِدَتْ) تِلْكَ الْحَيْضَةُ (بَعْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ الْأَمَةَ (مَجُوسِيَّةٌ فَأَسْلَمَتْ)؛ لِأَنَّهَا وُجِدَتْ بَعْدَ سَبَبِهِ وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ كَمَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ بِأَنْ كَاتَبَهَا بَعْدَ الشِّرَاءِ فَعَجَزَتْ.
(وَيَجِبُ) الِاسْتِبْرَاءُ (عِنْدَ تَمَلُّكِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) فِي الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَمَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى تَمَامِ الْعِلَّةِ (لَا) يَجِبُ (عِنْدَ عَوْدِ) الْأَمَةِ (الْآبِقَةِ وَرَدِّ الْمَغْصُوبَةِ وَالْمُسْتَأْجَرَة) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ (وَفَكِّ الْمَرْهُونَةِ) لِمَا مَرَّ مِنْ انْعِدَامِ السَّبَبِ هَذَا إنْ أَبَقَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَجَعَتْ أَمَّا إنْ أَبَقَتْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ.
(وَلَا تُكْرَهُ الْحِيلَةُ لِإِسْقَاطِهِ) أَيْ الِاسْتِبْرَاءِ (عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) إذْ عِنْدَهُ مَكْرُوهَةٌ (وَأَخَذَ بِالْأَوَّلِ) أَيْ بِعَدَمِ كَرَاهَةِ الْحِيلَةِ (إنْ عُلِمَ عَدَمُ الْوَطْءِ مِنْ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ) فِي هَذَا الطُّهْرِ (وَ) أَخَذَ (بِالثَّانِي) أَيْ بِكَرَاهَةِ الْحِيلَةِ (إنْ اُحْتُمِلَ) الْوَطْءُ مِنْهُ.
وَفِي الدُّرَرِ وَبِهِ يُفْتَى (وَالْحِيلَةُ) فِي إسْقَاطِهِ (إنْ لَمْ تَكُنْ تَحْتَهُ) أَيْ تَحْتَ الْمُشْتَرِي (حُرَّةٌ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) أَيْ الْأَمَةَ الَّتِي يُرِيدُ شِرَاءَهَا مِنْ سَيِّدِهَا (ثُمَّ يَشْتَرِيهَا) بَعْدَ تَسْلِيمِهَا الْمَوْلَى إلَيْهِ ذَكَرَ هَذَا الْقَيْدَ فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ كَيْ لَا يُوجَدَ الْقَبْضُ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ بَعْدَ فَسَادِ النِّكَاحِ بِالشِّرَاءِ فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْقَبْضِ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ قِيلَ لَا يَكْفِي الْقَبْضُ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَطَأَ الزَّوْجُ قَبْلَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا تُوجَدُ الْأَمَةُ عِنْدَ الشِّرَاءِ مَنْكُوحَةً وَلَا مُعْتَدَّةً فَيَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَهُوَ اسْتِحْدَاثُ حِلِّ الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَمَّا إذَا وَطِئَهَا تَصِيرُ مُعْتَدَّةً فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ.
(وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ فَأَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ) إلَى شَخْصٍ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ (قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ) يُزَوِّجَهَا (الْمُشْتَرِي) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا (بَعْدَ الْبَيْعِ) أَيْ بَيْعِ الْبَائِعِ مِنْهُ (قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ) قَبْلَ الدُّخُولِ (بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ) إنْ كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ (أَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ) إنْ كَانَ التَّزْوِيجُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَعْنِي الْحِيلَةَ أَنْ يُنْكِحَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ شِرَاءِ الْمُشْتَرِي رَجُلًا عَلَيْهِ اعْتِمَادٌ أَنْ يُطَلِّقَهَا، ثُمَّ يَشْتَرِي الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا فَلَا اسْتِبْرَاء فَإِذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ حَلَّ عَلَى الْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ لَمْ يُوجَدْ حُدُوثُ الْمِلْكِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ أَوْ يُنْكِحُهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ ذَلِكَ الرَّجُلَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ فَإِنَّ الِاسْتِبْرَاءَ يَجِبُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فَإِذَا حَلَّ بَعْدَ طَلَاقِ الزَّوْجِ لَمْ يُوجَدْ حُدُوثُ الْمِلْكِ.
(وَمَنْ مَلَكَ أَمَتَيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ) وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ أَمَتَيْنِ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ لَكِنْ فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ لَا صِفَةٌ بِحَذْفِ اللَّتَيْنِ فَإِنَّهُ مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ الْبَصْرِيَّةُ (نِكَاحًا) كَأُخْتَيْنِ أَوْ بِنْتٍ وَأُمِّهَا نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا (فَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (وَطْءُ إحْدَاهُمَا فَقَطْ) لَا وَطْؤُهُمَا (وَدَوَاعِيهِ) أَيْ دَوَاعِي وَطْءِ تِلْكَ الْوَاحِدَةُ فَقَطْ دُونَ وَطْءِ الْأُخْرَى وَدَوَاعِيهِ كَالتَّقْبِيلِ بِشُهُودِهِ وَالْمَسِّ بِهَا (فَإِنْ وَطِئَهُمَا أَوْ فَعَلَ بِهِمَا شَيْئًا مِنْ الدَّوَاعِي حُرِّمَ عَلَيْهِ وَطْءُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يَحْرُمَ إحْدَاهُمَا) بِتَمْلِيكٍ أَوْ نِكَاحٍ صَحِيحٍ لِآخَرَ أَوْ عِتْقٍ.

.فَصَلِّ فِي الْبَيْع:

أَيْ فِي بَيْعِ الْعَذِرَةِ وَغَيْرِهِمَا.
(وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ) وَهِيَ رَجِيعُ الْآدَمِيِّ (خَالِصَةً) لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِالِانْتِفَاعِ بِهَا وَإِنَّمَا يُنْتَفَعُ بِهَا بِرَمَادٍ أَوْ تُرَابٍ غَالِبٍ عَلَيْهَا بِالْإِلْقَاءِ فِي الْأَرْضِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَجَازَ) بَيْعُهَا (لَوْ مَخْلُوطَةً) بِرَمَادٍ أَوْ تُرَابٍ (فِي الصَّحِيحِ) وَفِي التَّبْيِينِ وَالصَّحِيحُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ جَائِزٌ.
(وَجَازَ بَيْع السِّرْقِينِ) مُطْلَقًا فِي الصَّحِيحُ عِنْدَنَا لِكَوْنِهِ مَالًا مُنْتَفَعًا بِهِ لِتَقْوِيَةِ الْأَرْضِ فِي الْإِنْبَاتِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ كَالْعَذِرَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا مِنْ الْأَنْجَاسِ.
(وَالِانْتِفَاعُ) مِنْ الْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ وَالْمَخْلُوطَةِ وَالسِّرْقِينِ (كَالْبَيْعِ) فِي الْحُكْمِ فَمَا كَانَ بَيْعُهُ غَيْرَ جَائِزٍ يَكُونُ الِانْتِفَاعُ بِهِ غَيْرَ جَائِزٍ وَمَا كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا يَكُونُ الِانْتِفَاعُ بِهِ جَائِزًا.
(وَمَنْ رَأَى جَارِيَةَ رَجُلٍ مَعَ آخَرَ يَبِيعُهَا قَائِلًا وَكَّلَنِي صَاحِبُهَا) أَيْ صَاحِبُ الْجَارِيَةِ بِبَيْعِهَا (أَوْ اشْتَرَيْتهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ صَاحِبِهَا (أَوْ وَهَبَهَا لِي) صَاحِبُهَا (أَوْ تَصَدَّقَ) صَاحِبُهَا (بِهَا) أَيْ بِالْجَارِيَةِ (عَلَيَّ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ) أَيْ فِي قَلْبِ الرَّائِي (صِدْقُهُ) أَيْ صَدَّقَ الْبَائِعُ الْقَائِلَ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ (حَلَّ لَهُ) أَيْ لِلرَّائِي (شِرَاؤُهَا) أَيْ الْجَارِيَةِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ الْقَائِلِ (وَ) حَلَّ لَهُ (وَطْؤُهَا) أَيْضًا بَعْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ صَحِيحٍ لَا مُنَازِعَ لَهُ، وَقَوْلُ الْوَاحِدِ فِي الْمُعَامَلَاتِ مَقْبُولٌ عَلَى أَيِّ وَصْفٍ كَانَ لِمَا مَرَّ وَهَذَا إذَا كَانَ ثِقَةً وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ، وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْمُخْبِرِ فِي الْمُعَامَلَاتِ غَيْرُ لَازِمَةٍ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبً لَا يَسَعُ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ بِنَاءِ مَكَّةَ) لِكَوْنِهِ مِلْكَ مَنْ بَنَاهَا وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ، أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ بَنَى عَلَى الْأَرْضِ الْوَقْفِ جَازَ بَيْعُهُ فَهَذَا كَذَلِكَ (وَيُكْرَهُ بَيْعُ أَرْضِهَا) أَيْ أَرْضِ مَكَّةَ (وَإِجَارَتُهَا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ «مَكَّةُ حَرَامٌ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا وَلَا تُؤْجَرُ بُيُوتُهَا» وَلِأَنَّ الْحَرَمَ وَقْفُ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَكَلَ أُجُورَ أَرْضِ مَكَّةَ فَكَأَنَّمَا أَكَلَ الرِّبَا» (خِلَافًا لَهُمَا)؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ لِظُهُورِ الِاخْتِصَاصِ الشَّرْعِيِّ بِهَا فَصَارَ كَالْبِنَاءِ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبْعٍ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَرْضَهَا تُمَلَّكُ وَتَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ وَقَدْ تَعَارَفَ النَّاسُ بَيْعَ أَرَاضِيِهَا وَالدُّورِ الَّتِي فِيهَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ (وَقَوْلُهُمَا رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ) وَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ وَبِهِ يُفْتَى.

.الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ:

(وَيُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ فِي أَقْوَاتِ الْآدَمِيِّينَ) كَالْبُرِّ وَنَحْوِهِ (وَالْبَهَائِمِ) كَالشَّعِيرِ وَالتِّبْنِ (بِبَلَدٍ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَضُرُّ بِأَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمِصْرُ كَبِيرًا لَا يَضُرُّ بِأَهْلِهِ فَلَيْسَ بِمُحْتَكَرٍ لِأَنَّهُ حَبَسَ مِلْكَهُ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لَا يَخْتَصُّ بِالْأَقْوَاتِ بَلْ يُكْرَهُ الِاحْتِكَارُ (فِي كُلِّ مَا يَضُرُّ احْتِكَارُهُ بِالْعَامَّةِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ (ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ ثَوْبًا) أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ حَقِيقَةَ الضَّرَرِ إذْ هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْكَرَاهَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا احْتِكَارَ فِي الثِّيَابِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ حَبْسِ الْقُوتِ الْمَكْرُوهِ قِيلَ هِيَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ احْتَكَرَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ» وَقِيلَ شَهْرٌ لِأَنَّ مَا دُونَهُ قَلِيلٌ عَاجِلٌ كَمَا مَرَّ هَذَا فِي حَقِّ الْمُعَاقَبَةِ فِي الدُّنْيَا لَكِنَّ الْإِثْمَ يَلْزَمُ فِي مُدَّةٍ قَلِيلَةٍ لِكَوْنِ التِّجَارَةِ غَيْرَ مَحْمُودَةٍ فِي الطَّعَامِ.
(وَإِذَا رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ حَالُ الْمُحْتَكِرِ أَمَرَهُ) أَيْ الْقَاضِي الْمُحْتَكَرَ (بِبَيْعِ مَا يَفْضُلُ عَنْ حَاجَتِهِ) أَيْ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ وَدَوَابِّهِ (فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُحْتَكِرُ عَنْ الْبَيْعِ حَبَسَهُ الْقَاضِي وَعَزَّرَهُ وَ (بَاعَ عَلَيْهِ) وَقِيلَ لَا يَبِيعُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَبِيعُ وَقِيلَ يَبِيعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ فَلِذَا أَتَى بِصُورَةٍ الِاتِّفَاقِ.
(وَلَا احْتِكَارَ فِي غَلَّةِ ضَيْعَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّهِ (وَلَا فِيمَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ أَهْلِ بَلَدٍ بِطَعَامِ بَلَدٍ آخَرَ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكْرَهُ) أَنْ يَحْبِسَ مَا جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ».
(وَكَذَا) يُكْرَهُ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ يَجْلِبُ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ عَادَةً) فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ فِنَاءِ الْمِصْرِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَامَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَلَدُ بَعِيدًا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالْحَمْلِ مِنْهُ إلَى الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْعَامَّةِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْمُخْتَارُ) هَذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْكُتُبِ الَّتِي أَخَذَ الْمُصَنِّفُ مَسَائِلَ كِتَابِهِ مِنْهَا كَمَا فِي الْفَرَائِدِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَصِيرِ) أَيْ عَصِيرِ الْعِنَبِ (مِمَّنْ) يَعْلَمُ أَنَّهُ (يَتَّخِذُهُ خَمْرًا)؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَقُومُ بِنَفْسِ الْعَصِيرِ بَلْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ فَصَارَ عِنْدَ الْعَقْدِ كَسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ عَمَلٍ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ مِنْ أَهْلِ الْفِتْنَةِ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ تَقُومُ بِعَيْنِهِ.
(وَلَوْ بَاعَ مُسْلِمٌ خَمْرًا وَأَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهَا كُرِهَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَخْذُهُ) يَعْنِي كَانَ لِمُسْلِمٍ دَيْنٌ عَلَى مُسْلِمٍ فَبَاعَ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ خَمْرًا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا وَقَضَى بِهِ الدَّيْنَ لَا يَحِلُّ لِلدَّائِنِ أَنْ يَأْخُذَ ثَمَنَ الْخَمْرِ بِدَيْنِهِ.
(وَإِنْ كَانَ الْمَدْيُونُ ذِمِّيًّا لَا يُكْرَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَبَقِيَ الثَّمَنُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ أَخْذُهُ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّ الْكَافِرِ فَيَمْلِكُهُ الْبَائِعُ فَيَحِلُّ الْأَخْذُ مِنْهُ.

.حكم التَّسْعِيرُ :

(وَيُكْرَهُ التَّسْعِيرُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُسَعِّرُوا فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ الْقَابِضُ الْبَاسِطُ الرَّازِقُ» وَلِأَنَّ الثَّمَنَ حَقُّ الْعَاقِدِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَغَرَّضَ لِحَقِّهِ (إلَّا إذَا تَعَدَّى أَرْبَابُ الطَّعَامِ فِي الْقِيمَةِ تَعَدِّيًا فَاحِشًا) كَالضَّعْفِ وَعَجْزِ الْحَاكِمِ عَنْ صِيَانَةِ حُقُوقِهِمْ إلَّا بِالتَّسْعِيرِ (فَلَا بَأْسَ) حِينَئِذٍ (بِهِ) أَيْ بِالتَّسْعِيرِ (بِمَشُورَةِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ) أَيْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْبَصَارَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ صِيَانَةَ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الضَّيَاعِ فَإِنْ بَاعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَعَّرَهُ أَجَازَهُ الْقَاضِي قِيلَ إذَا خَافَ الْبَائِعُ أَنْ يَضْرِبَهُ الْحَاكِمُ إنْ نَقَصَ مِنْ سِعْرِهِ لَا يَحِلُّ مَا بَاعَهُ لِكَوْنِهِ مِنْ مَعْنَى الْمُكْرَهِ فَالْحِيلَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْمُشْتَرِي يَعْنِي مَا تُحِبُّهُ فَحِينَئِذٍ بِأَيِّ شَيْءٍ بَاعَ يَحِلُّ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَمَنْ بَاعَ مِنْهُمْ بِمَا قَدَّرَ الْإِمَامُ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ عَلَى الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يُؤَجِّرْ الرَّضِيَّ فِي التَّقْدِيرِ فَالْمُشْتَرِي إذَا وَجَدَ الْمَبِيعَ نَاقِصًا مِنْهُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ.
(وَيَجُوزُ شِرَاءُ مَا لَا بُدَّ لِلطِّفْلِ مِنْهُ)، مِثْلُ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ (وَبَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ مَا لَا بُدَّ لِلطِّفْلِ مِنْ بَيْعِهِ (لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَأُمِّهِ وَمُلْتَقَطِهِ إنْ هُوَ) أَيْ الطِّفْلُ (فِي حِجْرِهِمْ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُمْ وَبَيْعُهُمْ لَهُ إلَّا بِأَمْرِ الْحَاكِمِ (وَتُؤَجِّرُهُ) أَيْ الطِّفْلَ (أُمُّهُ فَقَطْ) إذَا كَانَ فِي حِجْرِهِمْ لِأَنَّهَا تَمْلِكُ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ تَسْتَخْدِمَهُ فَتَمْلِكَ إتْلَافَهَا بِعِوَضِهِ وَالْإِجَارَةُ بِالْأَوْلَوِيَّةِ دُونَ الْأَخِ وَالْعَمِّ وَالْمُلْتَقِطِ فَإِنَّهُمْ لَا يَتَمَلَّكُونَ إتْلَافَ مَنَافِعِهِ وَلَوْ فِي حِجْرِهِمْ هَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
وَفِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُلْتَقِطُ وَيُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ فَجَعَلَهُ مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً وَنَفْعًا مَحْضًا لِلصَّغِيرِ وَأَمَّا الْأَبُ وَالْجَدُّ وَوَصِيُّهُمَا فَإِنَّهُمْ يَتَمَلَّكُونَ التَّصَرُّفَ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي أَيْدِيهِمْ وَحِجْرِهِمْ.

.فَصَلِّ فِي الْمُتَفَرِّقَات:

(تَجُوزُ الْمُسَابِقَةُ بِالسِّهَامِ وَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَالْإِبِلِ وَالْأَقْدَامِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ نَصْلٍ أَوْ حَافِرٍ» وَالْمُرَادُ بِالْخُفِّ الْإِبِلُ وَبِالنَّصْلِ الرَّمْيُ وَبِالْحَافِرِ الْفَرَسُ وَالْبَغْلُ.
وَفِي الْحَدِيثِ «سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَسَبَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَلِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْجِهَادِ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْجِهَادِ فَتَعَلُّمُهُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ سَعْيًا فِي إقَامَةِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ وَعَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تَحْضُرُ الْمَلَائِكَةُ شَيْئًا مِنْ الْمَلَاهِي سِوَى النِّضَالِ وَالرِّهَانِ».
(وَإِنْ شُرِطَ فِيهَا) أَيْ فِي الْمُسَابِقَةِ (جُعْلٌ مِنْ إحْدَى الْجَانِبَيْنِ) مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ سَبَقْتنِي أُعْطِيك كَذَا وَإِنْ سَبَقْتُك لَا آخُذُ مِنْك شَيْئًا (أَوْ) شُرِطَ فِيهَا جُعْلٌ (مِنْ ثَالِثٍ لِأَسْبَقِهِمَا) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ ثَالِثٌ لِلْمُتَسَابَقَيْنِ أَيُّكُمَا سَبَقَ لَهُ عَلَيَّ كَذَا (جَازَ) لِأَنَّهُ تَحْرِيضٌ عَلَى آلَةِ الْحَرْبِ وَالْجِهَادِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ».
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الْمَالِ بِالْحَظْرِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْأَقْدَامِ.
(وَإِنْ) شُرِطَ (مِنْ كِلَا الْجَانِبَيْنِ يَحْرُمُ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ سَبَقَ فَرَسُك أَعْطَيْتُك كَذَا وَإِنْ سَبَقَ فَرَسِي فَأَعْطِنِي كَذَا لِأَنَّهُ يَصِيرُ قِمَارًا وَالْقِمَارُ حَرَامٌ (إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا) فَرَسٌ (مُحَلِّلٌ كُفْءٌ لَهُمَا) أَيْ لِفَرَسَيْهِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَسْبِقُهُمَا (إنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ) الْجُعْلَ (مِنْهُمَا وَإِنْ سَبَقَاهُ لَا يُعْطِيهِمَا) شَيْئًا أَوْ بِالْعَكْسِ يَعْنِي شُرِطَ أَيُّهُمَا لَوْ سَبَقَاهُ يُعْطِيهِمَا وَلَوْ سَبَقَهُمَا لَا يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْهُمَا كَمَا فِي التَّسْهِيلِ (وَفِيمَا بَيْنَهُمَا أَيُّهُمَا سَبَقَ أَخَذَ) الْمَالَ الْمَشْرُوطَ (مِنْ الْآخَرِ) لِأَنَّ بِالْمُحَلِّلِ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْفَرَسُ الْمُحَلِّلُ مِثْلَهُمَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي إدْخَالِهِ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَخْرُجْ حِينَئِذٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا.
(وَعَلَى هَذَا لَوْ اخْتَلَفَ) عَالِمَانِ (اثْنَانِ فِي مَسْأَلَةٍ وَأَرَادَا الرُّجُوعَ إلَى شَيْخٍ) فَاضِلٍ (وَجَعَلَا عَلَى ذَلِكَ جُعْلًا) قَالَ فِي الْمِنَحِ لَوْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَشَرَطَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْجَوَابُ كَمَا قُلْت أَعْطَيْتُك كَذَا وَإِنْ كَانَ كَمَا قُلْت لَا آخُذُ مِنْك شَيْئًا فَهَذَا جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ فِي الْأَفْرَاسِ لِمَعْنًى يَرْجِعُ إلَى الْجِهَادِ يَجُوزُ هُنَا لِلْحَثِّ عَلَى الْجَهْدِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الدِّينَ يَقُومُ بِالْعِلْمِ كَمَا يَقُومُ بِالْجِهَادِ.
(وَوَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ) قَدِيمَةٌ وَفِيهَا مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ (وَمَنْ دُعِيَ) إلَيْهَا (فَلْيُجِبْ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ أَثِمَ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ وَدَعَا وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَثِمَ وَجَفَا كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَلَا يَرْفَعُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْوَلِيمَةِ (شَيْئًا وَلَا يُعْطِي سَائِلًا إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهَا) لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْأَكْلِ دُونَ الرَّفْعِ وَالْإِعْطَاءِ.
(وَإِنْ عَلِمَ) الْمَدْعُوُّ (أَنَّ فِيهَا لَهْوًا لَا يُجِيبُ) سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَةُ الدَّعْوَةِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ «صَنَعْت طَعَامًا فَدَعَوْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي الْبَيْتِ تَصَاوِيرَ فَرَجَعَ» بِخِلَافِ مَا هَجَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ.
(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) أَنَّ ثَمَّةَ لَهْوًا (حَتَّى حَضَرَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْمَنْعِ فَعَلَ) الْمَنْعَ لِأَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ (وَلَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ مُقْتَدًى بِهِ أَوْ كَانَ اللَّهْوُ عَلَى الْمَائِدَةِ فَلَا يَقْعُدُ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ شَيْنَ الدِّينِ وَفَتْحَ بَابِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ تَعَالَى {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدًى بِهِ وَلَمْ يَكُنْ اللَّهْوُ عَلَى الْمَائِدَةِ (فَلَا بَأْسَ بِالْقُعُودِ) وَالصَّبْرِ فَصَارَ كَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ إذَا كَانَ مَعَهَا نِيَاحَةٌ حَيْثُ لَا يَتْرُكُ التَّشْيِيعَ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهَا لِمَا عِنْدَهَا مِنْ النِّيَاحَةِ كَذَا هُنَا.
(وَقَالَ الْإِمَامُ اُبْتُلِيتُ بِهِ) أَيْ بِاللَّهْوِ (مَرَّةً فَصَبَرْت وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ الْإِمَامِ (مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ مُقْتَدًى بِهِ) إذْ قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ لَا رُخْصَةَ لِلْمُقْتَدَى بِهِ (وَدَلَّ قَوْلُهُ اُبْتُلِيتُ عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ الْمَلَاهِي) حَتَّى التَّغَنِّي بِضَرْبِ الْقَضِيبِ (لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمُحَرَّمِ) قِيلَ إنَّ الِابْتِلَاءَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الشَّرِّ وَلَوْ فِي الْمَآلِ فَلَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ فِي الْإِصْلَاحِ مِنْ أَنَّهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا هُوَ مَحْظُورُ الْعَوَاقِبِ وَلَوْ كَانَ مُبَاحًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ» الْحَدِيثَ انْتَهَى لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُوجَدُ فِيهِ الشَّرُّ كَمَا هُنَا وَفِيمَا يُفْضِي إلَيْهِ غَالِبًا كَمَا فِي الْقَضَاءِ وَلِذَا قَالُوا هُنَا دَلَّ هَذَا عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ الْمَلَاهِي وَلَمْ يَقُولُوا دَلَّ عَلَى حُرْمَةِ كُلِّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ قِيلَ الصَّبْرُ عَلَى الْحَرَامِ لِإِقَامَةِ السُّنَّةِ لَا يَجُوزُ يُقَالُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْلِسُ مُعْرِضًا عَنْ اللَّهْوِ مُنْكِرًا لَهُ غَيْرَ مُشْتَغِلٍ وَلَا مُتَلَذِّذٍ بِهِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ الْجُلُوسُ عَلَى اللَّهْوِ فَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ مُبْتَلًى بِحَرَامٍ.
(وَالْكَلَامُ مِنْهُ) أَيْ بَعْضُهُ (مَا يُؤْجَرُ بِهِ كَالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ) كَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَالْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَعِلْمِ الْفِقْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} الْآيَةَ (وَقَدْ يَأْثَمُ بِهِ) أَيْ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ (إذَا فَعَلَهُ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهْزَاءِ وَالْمُخَالَفَةِ لِمُوجَبِهِ.
(وَإِنْ قَصَدَ بِهِ) أَيْ بِنَحْوِ التَّسْبِيحِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَجْلِسِ الْفِسْقِ (الِاعْتِبَارَ) وَالِاتِّعَاظَ (وَالْإِنْكَارَ) لِأَفْعَالِ الْفَاسِقِينَ وَأَنْ يَشْتَغِلُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ الْفِسْقِ (فَحَسَنٌ) وَكَذَا مَنْ سَبَّحَ فِي السُّوقِ بِنِيَّةِ أَنَّ النَّاسَ غَافِلُونَ فَلَعَلَّهُمْ تَنَبَّهُوا لِلْآخِرَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَسْبِيحِهِ فِي غَيْرِ الْمَجَامِعِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ذَاكِرُ اللَّهِ فِي الْغَافِلِينَ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِلتَّاجِرِ عِنْدَ فَتْحِ مَتَاعِهِ) بِأَنْ يَقُولَ عِنْدَ فَتْحِ الْمَتَاعِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ لِأَنَّهُ يَكُونُ لِأَمْرِ الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْغَازِي أَوْ الْعَالِمِ إذَا كَبَّرَ أَوْ هَلَّلَ عِنْدَ الْمُبَارَزَةِ وَفِي مَجْلِسِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهِ التَّعْظِيمَ وَالتَّفْخِيمَ وَإِظْهَارَ شَعَائِرِ الدِّينِ.
(وَ) يُكْرَهُ (التَّرْجِيعُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَ) كَذَا يُكْرَهُ (الِاسْتِمَاعُ إلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِفِعْلِ الْفَسَقَةِ حَالَ فِسْقِهِمْ وَهُوَ التَّغَنِّي وَلَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الِابْتِدَاءِ وَلِهَذَا كُرِهَ فِي الْأَذَانِ (وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» (وَعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْجِنَازَةِ) وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَيَذْكُرُ عِنْدَ الْجِنَازَةِ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ جَاءَ سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَتَفَرَّدَ بِالْبَقَاءِ سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ (وَالزَّحْفِ) أَيْ الْحَرْبِ (وَالتَّذْكِيرِ) أَيْ الْوَعْظِ (فَمَا ظَنُّك بِهِ) أَيْ بِرَفْعِ الصَّوْتِ (عِنْدَ) اسْتِمَاعِ (الْغِنَاءِ) الْمُحَرَّمِ (الَّذِي يُسَمُّونَهُ وَجْدًا) وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَوْصُولَ مَعَ صِلَتِهِ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ الْغِنَاءُ لَكِنْ فِي تَسْمِيَتِهِمْ الْغِنَاءَ وَجْدًا بَحْثٌ تَدَبَّرْ.
وَفِي التَّسْهِيلِ فِي الْوَجْدِ مَرَاتِبُ وَبَعْضُهُ يَسْلُبُ الِاخْتِيَارَ فَلَا وَجْهَ لِلْإِنْكَارِ بِلَا تَفْصِيلٍ انْتَهَى.
وَفِي الْقُنْيَةِ وَلَا بَأْسَ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى قِرَاءَةِ الْإِخْلَاصِ جَهْرًا عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ وَلَوْ قَرَأَ وَاحِدٌ وَاسْتَمَعَ الْبَاقُونَ فَهُوَ أَوْلَى.
(وَكَرِهَ الْإِمَامُ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ) لِأَنَّ أَهْلَ الْقَبْرِ جِيفَةٌ وَكَذَا يُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقَبْرِ لِأَنَّهُ إهَانَةٌ (وَجَوَّزَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ (مُحَمَّدٌ وَبِهِ) أَيْ يَقُولُ مُحَمَّدٌ (أَخْذٌ) لِلْفَتْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْعِ لِوُرُودِ الْآثَارِ بِقِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْفَاتِحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْقُبُورِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ وَيُصَلِّيَ وَقَدْ مَرَّ فِي الْحَجِّ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ فِي كِتَابِ الْمُسَمَّى بِالْحِجَجِ مِنْ أَنَّهُ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ قَالَ شَهِدْت مُحَمَّدَ بْنَ حَنِيفَةَ صَلَّى عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَضَرَبَ عَلَيْهِ فُسْطَاطًا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ انْتَهَى وَظَاهِرٌ أَنَّ ضَرْبَ الْفُسْطَاطِ لَيْسَ إلَّا لِأَجْلِ الْقِرَاءَةِ لَا غَيْرُ.
وَفِي التَّنْوِيرِ تَطْيِينُ الْقُبُورِ لَا يُكْرَهُ فِي الْمُخْتَارِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَيُسْتَحَبُّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ فَيَقُومُ بِحِذَاءِ الْوَجْهِ قُرْبًا وَبُعْدًا كَمَا فِي الْحَيَاةِ فَيَقُولُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ وَيَدْعُوهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَقِيلَ الدُّعَاءُ قَائِمًا أَوْلَى.
وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا بَأْسَ بِالزِّيَارَةِ لِلنِّسَاءِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ بَعْضِ الْكَلَامِ (مَا لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ نَحْوَ قُمْ وَاقْعُدْ) وَنَحْوُهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ (وَقِيلَ لَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ) وَلَا لَهُ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ عَلَيْهِ وَلَا عِقَابَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْمَلَائِكَةُ لَا تَكْتُبُ إلَّا مَا كَانَ فِيهِ أَجْرٌ أَوْ وِزْرٌ وَقِيلَ يُكْتَبُ ثُمَّ يُمْحَى مَا لَا جَزَاءَ فِيهِ وَيَبْقَى مَا فِيهِ جَزَاءٌ ثُمَّ قِيلَ يُمْحَى فِي كُلِّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ وَفِيهِمَا تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا تُمْحَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَمِنْهُ) أَيْ بَعْضِهِ (مَا يَأْثَمُ بِهِ كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالشَّتِيمَةِ) لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْصِيَةٌ حَرَامٌ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ وَكَذَا التَّمَلُّقُ فَوْقَ الْعَادَةِ لِأَنَّ التَّمَلُّقَ مَذْمُومٌ بِخِلَافِ التَّوَاضُعِ لِأَنَّهُ مَحْمُودٌ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَيُكْرَهُ الْكَلَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَخَلْفَ الْجِنَازَةِ وَفِي الْخَلَاءِ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ (وَالْكَذِبُ حَرَامٌ إلَّا فِي الْحَرْبِ لِلْخُدْعَةِ وَفِي الصُّلْحِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَفِي إرْضَاءِ الْأَهْلِ وَفِي دَفْعِ الظَّالِمِ عَنْ الظُّلْمِ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِهَذَا فَلَا يُبَالِي فِيهِ الْكَذِبَ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ خَالِصَةً (وَيُكْرَهُ التَّعْرِيضُ بِهِ) أَيْ بِالْكَذِبِ (إلَّا لِحَاجَةٍ) كَقَوْلِك لِرَجُلٍ كُلْ فَيَقُولُ أَكَلْت يَعْنِي أَمْسِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي قَصْدِهِ وَقِيلَ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ كَذِبٌ فِي الظَّاهِرِ.
(وَلَا غِيبَةَ لِظَالِمٍ) يُؤْذِي النَّاسَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ لِكَيْ يَحْذَرَهُ النَّاسُ» (وَلَا إثْمَ فِي السَّعْيِ بِهِ) أَيْ بِالظَّالِمِ إلَى السُّلْطَانِ لِيَزْجُرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَمَنْعِ الظُّلْمِ (وَلَا غِيبَةَ إلَّا لِمَعْلُومٍ فَاغْتِيَابُ أَهْلِ قَرْيَةٍ لَيْسَ بِغِيبَةٍ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ بِهِ جَمِيعَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ وَكَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْبَعْضُ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَصَارَ كَالْقَذْفِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَكَمَا تَكُونُ الْغِيبَةُ بِاللِّسَانِ تَكُونُ أَيْضًا بِالْفِعْلِ وَبِالتَّعْرِيضِ وَبِالْكِتَابَةِ وَبِالْحَرَكَةِ وَبِالرَّمْزِ وَبِغَمْزِ الْعَيْنِ وَكُلُّ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْغِيبَةِ وَهُوَ حَرَامٌ.
وَفِي الدُّرَرِ رَجُلٌ يَذْكُرُ مَسَاوِئَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ عَلَى وَجْهِ الِاهْتِمَامِ لَا يَكُونُ غِيبَةً إنَّمَا الْغِيبَةُ أَنْ تُذْكَرَ عَلَى وَجْهِ الْغَضَبِ يُرِيدُ السَّبَّ.
(وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ أَوْ الشِّطْرَنْجِ) وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُمَا فِي الشَّهَادَةِ (وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ) وَهُوَ لَعِبٌ يَسْتَعْمِلُهُ الْيَهُودُ (وَكُلٌّ لَهْوٌ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كُلُّ لَعِبِ ابْنِ آدَمَ حَرَامٌ» الْحَدِيثَ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اسْتِمَاعُ صَوْتِ الْمَلَاهِي مَعْصِيَةٌ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهَا فِسْقٌ وَالتَّلَذُّذُ بِهَا كُفْرٌ أَيْ بِالنِّعْمَةِ (وَيُكْرَهُ اسْتِخْدَامُ الْخُصْيَانِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ جَمْعُ خَصْيٍ عَلَى وَزْنِ فَعْلٍ لِأَنَّ فِيهِ تَحْرِيضُ النَّاسِ عَلَى الْخِصَاءِ الَّذِي هُوَ مُثْلَةٌ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا.
(وَ) يُكْرَهُ (وَصْلُ الشَّعْرِ بِشَعْرِ آدَمِيٍّ) سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَهَا أَوْ شَعْرَ غَيْرِهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» الْحَدِيثَ.
(وَ) وَيُكْرَهُ (قَوْلُهُ فِي الدُّعَاءِ أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك) بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ أَوْ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي ظَاهِرَةٌ لِاسْتِحَالَةِ الْقُعُودِ وَكَذَا فِي الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَعَلُّقَ عِزِّهِ بِالْعَرْشِ الْمُحْدَثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّهُ يُجَوِّزُ الْأَوَّلَ عِنْدَهُ لِدُعَاءٍ مَأْثُورٍ وَهُوَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِمَعْقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِك وَبِمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِك وَبِاسْمِك الْأَعْظَمِ وَجَدِّك الْأَعْلَى وَكَلِمَاتِك التَّامَّةِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَقِيلَ وَجْهُ الْجَوَازِ جَوَازُ جَعْلِ الْعِزِّ صِفَةً لِلْعَرْشِ الْعَظِيمِ كَمَا وُصِفَ بِالْمَجْدِ وَالْكَرَمِ.
(وَ) يُكْرَهُ (قَوْلُهُ أَسْأَلُك بِحَقِّ أَنْبِيَائِك وَرُسُلِك) أَوْ بِحَقِّ الْبَيْتِ أَوْ بِحَقِّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ إذْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ وُجُوبٍ عَلَيْهِ (وَاسْتِمَاعُ الْمَلَاهِي حَرَامٌ) وَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُذْكَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَكُلٌّ لَهْوٌ.
(وَيُكْرَهُ تَعْشِيرُ الْمُصْحَفِ) وَالتَّعْشِيرُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى كُلِّ عَشْرِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ عَلَامَةً (وَنَقْطُهُ) وَبِفَتْحِ النُّونِ أَيْ نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَهُوَ إظْهَارُ إعْرَابِهِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ جَرِّدُوا الْمَصَاحِفَ (إلَّا لِلْعَجَمِ) الَّذِي لَا يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ إلَّا بِالنَّقْطِ (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّقْطُ (حَسَنٌ) خُصُوصًا فِي هَذَا الزَّمَانِ فَالْمَرْوِيُّ مَخْصُوصٌ بِزَمَانِهِمْ كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهُ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا أُنْزِلَ وَكَانَتْ الْقِرَاءَةُ سَهْلًا عَلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَهْلًا فَيَرَوْنَ النَّقْطَ مُخِلًّا لِحِفْظِ الْأَعْرَابِ وَالتَّعْشِيرَ مُخِلًّا لِحِفْظِ الْآيِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَجَمِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا بَأْسَ بِكَتْبِ أَسَامِي السُّوَرِ وَعَدِّ الْآيِ فَهُوَ وَإِنْ مُحْدَثًا فَمُسْتَحْسَنٌ وَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ (وَلَا بَأْسَ بِتَحْلِيَتِهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِهِ كَمَا فِي نَقْشِ الْمَسْجِدِ وَتَزْيِينِهِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ يَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ أَنْ يَكْتُبَهُ بِأَحْسَنِ خَطٍّ وَأَبْيَنِهِ عَلَى أَحْسَنِ وَرَقَةٍ وَأَبْيَضِ قِرْطَاسٍ بِأَفْخَمِ قَلَمٍ وَأَبْرَقِ مِدَادٍ وَيُفَرِّجُ السُّطُورَ وَيُفَخِّمُ الْحُرُوفَ وَيُضَخِّمُ الْمُصْحَفَ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُصَغِّرَ الْمُصْحَفَ وَأَنْ يَكْتُبَ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ وَكَذَا لَا بَأْسَ بِقُبْلَةِ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَأْخُذُ الْمُصْحَفَ كُلَّ غَدَاةٍ وَيُقَبِّلُهُ وَيَقُولُ عَهْدُ رَبِّي وَمَنْشُورُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ.
(وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الذِّمِّيِّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ) وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (وَلَا) بَأْسَ (بِعِيَادَتِهِ) أَيْ عِيَادَةِ الذِّمِّيِّ إذَا مَرِضَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارُ مَحَاسِنِ الْإِسْلَامِ وَكَذَا عِيَادَةُ فَاسِقٍ فِي الْأَصَحِّ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَيُسَلِّمُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَيْك إنْ رَدَّ عَلَيْهِ.
(وَيَجُوزُ إخْصَاءُ الْبَهَائِمِ) مَنْفَعَةً لِلنَّاسِ لِأَنَّ لَحْمَ الْخَصِيِّ أَطْيَبُ وَقِيلَ الصَّوَابُ خِصَاءُ الْبَهَائِمِ إذْ يُقَالُ خِصَاءُ إذَا نَزَعَ خُصْيَتَهُ.
(وَ) يَجُوزُ (إنْزَاءُ الْحَمِيرِ عَلَى الْخَيْلِ) إذْ لَوْ كَانَ هَذَا الْفِعْلُ حَرَامًا لَمَا رَكِبَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْبَغْلَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ فَتْحِ بَابِهِ.
(وَ) تَجُوزُ (الْحُقْنَةُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) لِلتَّدَاوِي بِالْإِجْمَاعِ أَوْ لِأَجْلِ الْهُزَالِ إذَا فَحُشَ يُفْضِي إلَى السُّلِّ وَلَا جُنَاحَ إذَا كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى دُونَ الدَّوَاءِ (لَا) تَجُوزُ الْحُقْنَةُ (بِمُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا) قِيلَ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِالْمُحَرَّمِ كَالْخَمْرِ وَالْبَوْلِ إنْ أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ أَنَّ فِيهِ شِفَاءً وَالْحُرْمَةُ تَرْتَفِعُ بِالضَّرُورَةِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَدَاوِيًا بِالْحَرَامِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ حَدِيثُ النَّهْيِ كَمَا فِي حَاشِيَةِ أَخِي حَلَبِيٍّ لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى تَأَمَّلْ.
(وَلَا بَأْسَ بِرِزْقِ الْقَاضِي) مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (كِفَايَةً) يَعْنِي يُعْطَى مِنْهُ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ فِي كُلِّ زَمَانٍ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا فِي الْأَصَحِّ أَوْ فَقِيرًا (بِلَا شَرْطٍ) إذْ لَوْ شُرِطَ يَكُونُ اسْتِئْجَارًا بِأَجْرٍ عَلَى أَفْضَلِ طَاعَةٍ وَإِذًا لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ حَلَالًا جُمِعَ بِحَقٍّ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا جُمِعَ مِنْ بَاطِلٍ لَمْ يَحِلَّ أَخْذُهُ وَقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي الْقَضَاءِ.
(وَلَا بَأْسَ بِسَفَرِ الْأَمَةِ وَأَمِّ الْوَلَدِ بِلَا مَحْرَمٍ) لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي الْأَمَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَارِمِ فِي النَّظَرِ وَالْمَسِّ عِنْدَ الْإِرْكَابِ وَكَذَا أُمُّ الْوَلَدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهَا وَكَذَا الْمُكَاتَبَةُ وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ أَهْلِ الْفَسَادِ (وَالْخَلْوَةِ بِهَا) أَيْ وَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ بِالْأَمَةِ (قِيلَ تُبَاحُ) اعْتِبَارًا بِالْمَحَارِمِ (وَقِيلَ لَا) تُبَاحُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ.
(وَيُكْرَهُ جَعْلُ الرَّايَةِ) أَيْ جَعْلُ الطَّوْقِ الْحَدِيدِ الثَّقِيلِ الْمَانِعِ مِنْ تَحْرِيكِ الرَّأْسِ (فِي عُنُقِ الْعَبْدِ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةُ الْكُفَّارِ فَيَحْرُمُ كَالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ.
وَفِي النِّهَايَةِ لَا بَأْسَ فِي زَمَانِنَا لِغَلَبَةِ التَّمَرُّدِ وَالْفِرَارِ (لَا) يُكْرَهُ (تَقْيِيدُهُ) احْتِرَازًا عَنْ الْإِبَاقِ وَالتَّمَرُّدِ وَهُوَ سُنَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفُسَّاقِ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُقْرِضَ بَقَّالًا دِرْهَمًا لِيَأْخُذَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَقَّالِ (بِهِ) أَيْ بِالدِّرْهَمِ (مَا يَحْتَاجُ) مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ (إلَى أَنْ يَسْتَغْرِقَهُ) أَيْ الدِّرْهَمَ فَإِنَّهُ قَرْضٌ جَرَّ نَفْعًا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُودِعَهُ إيَّاهُ ثُمَّ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَإِنْ ضَاعَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ.
(وَالسُّنَّةُ تَقْلِيمُ الْأَظَافِيرِ) وَفِي الدُّرَرِ رَجُلٌ وَقَّتَ لِقَلْمِ أَظَافِيرِهِ وَحَلْقِ رَأْسِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالُوا إنْ كَانَ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَأَخَّرَهُ إلَى يَوْمِهَا تَأْخِيرًا فَاحِشًا كَانَ مَكْرُوهًا لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا يَكُونُ رِزْقُهُ ضَيِّقًا وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ وَأَخَّرَهُ تَبَرُّكًا بِالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَلَّمَ أَظَافِيرَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْبَلَايَا إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفِنَهُ وَإِنْ أَلْقَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَيُكْرَهُ إلْقَاؤُهُ فِي الْكَنِيفِ وَالْمُغْتَسَلِ.
(وَ) السُّنَّةُ (نَتْفُ الْإِبْطِ وَحَلْقُ الْعَانَةِ وَالشَّارِبِ) وَفِي الْقُنْيَةِ وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُ عَانَتِهِ وَتَنْظِيفُ بَدَنِهِ بِالِاغْتِسَالِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَرَّةً وَلَا عُذْرَ فِي تَرْكِهِ وَرَاءَ أَرْبَعِينَ (وَقَصُّهُ) أَيْ الشَّارِبِ (حَسَنٌ) وَفِي حَقِّ الْغَازِي فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنَّ تَوْفِيرَ شَارِبِهِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ.
(وَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا اتَّزَرَ) الدَّاخِلُ فِيهِ (وَغَضَّ بَصَرَهُ وَيُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْأَوْعِيَةِ لِنَقْلِ الْمَاءِ إلَى الْبُيُوتِ) لِحَاجَةِ الْوُضُوءِ وَالشُّرْبِ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ نُهِينَ عَنْ الْخُرُوجِ فَيَلْزَمُ كَسَائِرِ حَاجَاتِهَا (وَكَوْنُهَا) أَيْ الْأَوْعِيَةِ (مِنْ الْخَزَفِ أَفْضَلُ) وَفِي الْحَدِيثِ «مَنْ اتَّخَذَ أَوَانِي بَيْتِهِ خَزَفًا زَارَتْهُ الْمَلَائِكَةُ» وَيَجُوزُ اتِّخَاذُهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ شَبَهٍ أَوْ أَدِيمٍ.
(وَلَا بَأْسَ بِسِتْرِ حِيطَانِ الْبَيْتِ بِاللُّبُودِ) جَمْعُ اللِّبَدِ (لِلْبَرْدِ) لِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً (وَيُكْرَهُ لِلزِّينَةِ وَكَذَا إرْخَاءُ السِّتْرِ عَلَى الْبَيْتِ) يَعْنِي لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ لِدَفْعِ الْبَرْدِ وَيُكْرَهُ إنْ لِلتَّكَبُّرِ (وَإِذَا أَدَّى الْفَرَائِضَ) مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَغَيْرِهِمَا (وَأَحَبَّ أَنْ يَتَنَعَّمَ بِمَنْظَرٍ حَسَنٍ وَجِوَارِ جَمِيلَةٍ فَلَا بَأْسَ) بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَسَرَّى مَارِيَةَ أُمَّ إبْرَاهِيمَ مَعَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} (وَالْقَنَاعَةُ بِأَدْنَى الْكِفَايَةِ وَصَرْفُ الْبَاقِي إلَى مَا يَنْفَعُ فِي الْآخِرَةِ أَوْلَى) لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى.

.كِتَاب إحْيَاء الْمَوَات:

مُنَاسَبَةُ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ حَيْثُ إنَّ مَسَائِلَ هَذَا الْكِتَابِ مَا يُكْرَهُ وَمَا لَا يُكْرَهُ وَمِنْ مَحَاسِنِهِ التَّسْبِيبُ فِي الْخِصْبِ فِي أَقْوَاتِ الْأَنَامِ وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» وَشُرُوطُهُ سَتُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ وَسَبَبُهُ تَعَلُّقُ الْبَاءِ الْمُقَدَّرِ وَحُكْمُهُ تَمَلُّكُ الْمُحْيِي مَا أَحْيَاهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ الْمَوَاتُ لُغَةً حَيَوَانٌ مَاتَ وَسُمِّيَ بِهِ أَرْضٌ لَا مَالِكَ لَهَا وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَا تَشْبِيهًا بِالْمَوَاتِ بِالْحَيَوَانِ إذَا مَاتَ وَبَطَلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَالْمُرَادُ مِنْ الْإِحْيَاءِ عُرْفًا التَّصَرُّفُ وَالِانْتِفَاعُ بِأَنْ يَبْنِيَ فِيهَا بِنَاءً أَوْ يَزْرَعَ فِيهَا زَرْعًا أَوْ يَغْرِسَ فِيهَا شَجَرًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَشَرْعًا (هِيَ) أَيْ الْمَوَاتُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ مِنْ الْمَوْتِ (أَرْضٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا) أَيْ بِالْأَرْضِ لِانْقِطَاعِ مَائِهَا أَصْلًا أَوْ عَارِضًا بِحَيْثُ لَا يُرْجَى عَوْدُهُ أَوْ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ عَلَيْهَا أَوْ نَحْوِهِمَا مِمَّا يَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ مِثْلُ غَلَبَةِ الرَّمَلِ وَالْحَجَرِ وَالشَّوْكِ وَمِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْأَرْضُ مَالِحَةً أَوْ غَيْرَهَا (عَادِيَّةً) أَيْ قَدِيمَةً غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ مِنْ زَمَانٍ بَعِيدٍ وَلِذَا نُسِبَتْ إلَى عَادٍ (أَوْ مَمْلُوكَةً فِي الْإِسْلَامِ) لَكِنْ (لَيْسَ لَهَا) الْيَوْمَ (مَالِكٌ مُعَيَّنٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ) سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْعِمَارَةِ أَوْ لَا فَإِنَّ حُكْمَهَا كَالْمَوَاتِ حَيْثُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا الْإِمَامُ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَوَاتِ لَكِنْ لَوْ ظَهَرَ لَهَا مَالِكٌ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَيَضْمَنُ نُقْصَانَهَا إنْ نَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُحْيِ مَالَهُ آثَارُ الْعِمَارَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ التُّرَابُ كَالْقُصُورِ الْخَرِبَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ قَيَّدَ بِمَا لَيْسَ لَهَا بِمَالِكٍ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لَمْ يَكُنْ مَوَاتًا وَإِنْ مَضَتْ عَلَيْهِ الْقُرُونُ وَصَارَتْ خَرِبَةً.
وَفِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْأَرَاضِيَ الَّتِي انْقَرَضَ أَهْلُهَا كَالْمَوَاتِ وَقِيلَ كَاللُّقَطَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إنْ مُلِكَتْ فِي الْإِسْلَامِ لَا تَكُونُ مَوَاتًا) عُلِمَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ أَوْ لَا بَلْ تَكُونُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (وَيُشْتَرَطُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَوْنُهَا) أَيْ الْأَرْضِ (بَعِيدَةً عَنْ الْعَامِرِ) أَيْ الْبَلَدِ وَالْقَرْيَةِ فَإِنَّ الْعَامِرَ بِمَعْنَى الْمَعْمُورِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ الْقَرْيَةِ لَا يَنْقَطِعُ احْتِيَاجُ أَهْلِهَا إلَيْهِ كَرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَطَرْحِ حَصَائِدِهِمْ فَلَا يَكُونُ مَوَاتًا (وَحَدُّ الْبَعِيدِ) أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان بِحَيْثُ (لَوْ صِيحَ مِنْ أَقْصَاهُ) أَيْ لَوْ وَقَفَ إنْسَانٌ فِي أَقْصَى الْعَامِرِ فَصَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ (لَا يُسْمَعُ فِيهَا) فَإِنَّهُ مَوَاتٌ وَإِنْ كَانَ يُسْمَعُ فَلَيْسَ بِمَوَاتٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الْبُعْدَ قَدْرُ غَلْوَةٍ كَمَا فِي الظَّهِيرَةِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) يُشْتَرَطُ (أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهَا) أَيْ بِالْأَرْضِ (أَهْلُ الْعَامِرِ) مِنْ حَيْثُ الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
(وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (قَرِيبَةٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعَامِرِ حَتَّى لَا يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْقَرْيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَامِرِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ اعْتَمَدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ يُفْتَى كَمَا فِي زَكَاةِ الْكُبْرَى وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ التَّسْهِيلِ أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي اشْتِرَاطِهِ الْبُعْدَ حَيْثُ قَالَ اعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ عَدَمَ الِارْتِفَاقِ لَا الْبُعْدِ خِلَافًا لَهُمَا (مَنْ أَحْيَاهَا) أَيْ الْمَوَاتَ (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) أَوْ نَائِبِهِ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةٌ (ذِمِّيًّا مَلَكَهَا) أَيْ مَلَكَ الْمُحْيِي الْمَوَاتَ (وَبِلَا إذْنِهِ) أَيْ بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (لَا) يَمْلِكُهَا عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا يَمْلِكُهَا بِدُونِ الْإِذْنِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَيَدُهُ سَبَقَتْ إلَيْهَا بِالْخُصُوصِ فَيَمْلِكُهُ كَمَا فِي الْحَطْبِ وَالصَّيْدِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَّا عِنْدَ مَالِكٍ لَوْ تَشَاحَّا أَهْلُ الْعَامِرِ يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ وَإِلَّا لَا وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْأَرْضَ مَغْنُومَةٌ لِاسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَخْتَصَّ بِدُونِ إذْنِ الْإِمَامِ كَسَائِرِ الْمَغَانِمِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا فَلَا يَمْلِكُهَا أَصْلًا بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ تَرَكَهَا بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَزَرَعَهَا غَيْرُهُ قِيلَ الثَّانِي أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَلَكَ اسْتِغْلَالَهَا دُونَ رَقَبَتِهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَ رَقَبَتَهَا بِالْإِحْيَاءِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِالتَّرْكِ وَلَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً ثُمَّ أَحَاطَ الْأَحْيَاءُ بِجَوَانِبِهَا الْأَرْبَعَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ عَلَى التَّعَاقُبِ تَعَيَّنَ طَرِيقُ الْأَوَّلِ فِي الْأَرْضِ لِرَابِعَةٍ فِي الْمَرْوِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَحْيَا الْجَوَانِبَ الثَّلَاثَةَ تَعَيَّنَ الْجَانِبُ الرَّابِعُ لِلِاسْتِطْرَادِ وَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بِالْإِحْيَاءِ كَالْمُسْلِمِ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ انْتَهَى.
(وَلَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ بَلْ يُتْرَكُ مَرْعًى لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ وَمَطْرَحًا لِحَصَائِدِهِمْ) لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِمْ إلَيْهِ تَحْقِيقًا أَوْ تَقْدِيرًا فَصَارَ كَالنَّهْرِ وَالطَّرِيقِ وَعَلَى هَذَا قَالُوا لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْطَعَ بِهِ مَا لَا غِنَاءَ لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ كَالْمِلْحِ وَالْآبَارِ الَّتِي يُسْتَقَى مِنْهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنْ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا نُقِلَ آنِفًا عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ إحْيَاءُ مَا لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْعَامِرِ أَوْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهَا الْعَامِرُ وَلَوْ قَرِيبَةً مِنْهُ مُخَالَفَةً لِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا أَنْ يَجُوزَ إحْيَاءُ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِهَا تَتَبَّعْ.
(وَلَا) يَجُوزُ إحْيَاءُ (مَا) أَيْ مَحَلٍّ (عَدَلَ) أَيْ رَجَعَ (عَنْهُ مَاءُ الْفُرَاتِ وَنَحْوِهَا) كَدِجْلَةَ وَالشَّطِّ وَغَيْرِهِمَا (وَاحْتُمِلَ عَوْدُهُ) إلَيْهِ لِحَاجَةِ الْعَامَّةِ إلَى كَوْنِهِ نَهْرًا (فَإِنْ) الظَّاهِرُ وَإِنْ بِالْوَاوِ (لَمْ يُحْتَمَلْ) عَوْدُهُ إلَى مَكَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَرِيمًا لِعَامِرٍ (جَازَ) إحْيَاؤُهُ لِكَوْنِهِ مُلْحَقًا بِالْمَوَاتِ.
(وَمَنْ حَجَرَ أَرْضًا ثَلَاثَ سِنِينَ وَلَمْ يَعْمُرْهَا) أَيْ الْأَرْضَ (أُخِذَتْ) الْأَرْضُ (مِنْهُ) أَيْ غَيْرِ الْحَجْرِ (وَدُفِعَتْ إلَى غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُحْجِرِ لِأَنَّ الدَّفْعَ كَانَ إلَى الْأَوَّلِ لِيَعْمُرَهَا فَتَحْصُلُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَيْثُ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ فَإِذَا لَمْ تَحْصُلْ يَدْفَعُهُ إلَى غَيْرِهِ تَحْصِيلًا لِلْمَقْصُودِ وَلِأَنَّ التَّحْجِيرَ لَيْسَ بِإِحْيَاءٍ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْإِحْيَاءَ جَعْلُهَا صَالِحَةً لِلزِّرَاعَةِ وَالتَّحْجِيرَ لِلْإِعْلَامِ بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ حَوْلَهَا أَنَّهُ قَصَدَ إحْيَاءَهَا لِكَوْنِهِ مِنْ الْحَجَرِ بِالْحَرَكَةِ وَقِيلَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْحَجْرِ بِالسُّكُونِ هُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّ مَنْ أَعْلَمَ فِي قِطْعَةِ أَرْضٍ مِنْ الْمَوَاتِ عَلَامَةً بِوَضْعِ الْأَحْجَارِ أَوْ الشَّوْكِ فِي أَطْرَافِهَا أَوْ بِإِحْرَاقِ مَا فِيهَا مِنْ الشَّوْكِ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ يَمْنَعُ الْغَيْرَ فَسُمِّيَ فِعْلُهُ تَحْجِيرًا وَلَا يُفِيدُ الْمِلْكَ فَبَقِيَتْ مُبَاحَةً عَلَى حَالِهَا لَكِنَّهُ هُوَ أَوْلَى بِهَا وَإِنَّمَا قُدِّرَ بِثَلَاثِ سِنِينَ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَيْسَ لِمُتَحَجِّرٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ حَقٌّ وَهَذَا مِنْ طَرِيقِ الدِّيَانَةِ فَأَمَّا إذَا أَحْيَاهَا غَيْرُهُ قَبْلَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ مَلَكَهَا لِتَحَقُّقِ الْإِحْيَاءِ مِنْهُ دُونَ الْأَوَّلِ وَنَظِيرُهُ الِاسْتِيَامُ وَحَفْرُ الْمَعْدِنِ وَإِنْ حَفَرَ بِهَا بِئْرًا فَهُوَ تَحْجِيرٌ وَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ وَكَذَا إذَا جَعَلَ الشَّوْكَ حَوْلَهَا وَلَوْ كَرَبَهَا أَوْ ضَرَبَ عَلَيْهَا الْمُسَنَّاةَ أَوْ شَقَّ لَهَا نَهْرًا فَهُوَ إحْيَاءٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا إنْ) حَفَرَهَا (بِإِذْنِ الْإِمَامِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ إحْيَاءٌ بِالْإِذْنِ عِنْدَهُ وَإِلَّا لَا.
(وَكَذَا) لَهُ حَرِيمُهَا (إنْ) حَفَرَهَا (بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ إحْيَاءٌ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ بِالْإِذْنِ أَوْ بِغَيْرِ الْإِذْنِ (وَحَرِيمُ) بِئْرِ (الْعَطَنِ) الَّتِي يُنْزَحُ الْمَاءُ مِنْهَا بِالْيَدِ وَيُنَاخُ الْإِبِلُ حَوْلَهَا لِلشُّرْبِ (أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مِمَّا حَوْلَهَا أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا» (مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) عَطَنًا لِمَاشِيَتِهِ وَلِأَنَّ الْحَافِرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِبِئْرِهِ إلَّا بِحَرِيمِهَا (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ الْأَرْبَعُونَ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَجْمَعُ الْجَوَانِبَ الْأَرْبَعَةَ وَالصَّحِيحُ مَا فِي الْمَتْنِ لِأَنَّ فِي الْأَرَاضِي الرَّخْوَةِ يَتَحَوَّلُ الْمَاءُ إلَى مَا يُحْفَرُ دُونَهَا فَيُؤَدِّي إلَى اخْتِلَافِ حَقِّهِ.
(وَكَذَا) أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ فِي الصَّحِيحِ (حَرِيمُ) الْبِئْرِ (النَّاضِحِ) الَّتِي نَزَحَ الْمَاءَ بِالنَّاضِحِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لِلنَّاضِحِ سِتُّونَ) أَيْ فَحَرِيمُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «حَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ وَحَرِيمُ بِئْرِ الْعَطَنِ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَحَرِيمُ بِئْرٍ نَاضِحٍ سِتُّونَ ذِرَاعًا» وَلَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فَلَهُ مَا حَوْلَهُ أَرْبَعُونَ ذِرَاعًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَلَمَّا تَعَارَضَ الْخَبَرَانِ أَخَذْنَا بِالْأَقَلِّ لِتَيَقُّنِهِ.
وَفِي الْمُحِيطِ إذَا كَانَ عُمْقُ الْمَاءِ زَائِدًا عَلَى أَرْبَعِينَ يُزَادُ عَلَيْهَا (وَحَرِيمُ الْعَيْنِ خَمْسُمِائَةِ ذِرَاعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّ الْعَيْنَ تُسْتَخْرَجُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَكَان يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ حَوْضٍ يُجْمَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَنْزِلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالدَّوَابُّ وَمِنْ مَوْضِعٍ يَجْرِي مِنْهُ إلَى الْمَزَارِعِ وَالْمَرَاتِعِ فَقُدِّرَ بِالزِّيَادَةِ قِيلَ لَوْ كَانَ عَادِيَّةٌ فَحَرِيمُهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ فِي الْحَرِيمِ مُطْلَقًا.
(وَيُمْنَعُ غَيْرُهُ) أَيْ غَيْرُ حَافِرِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ (مِنْ الْحَفْرِ فِي حَرِيمِهِ) لِأَنَّهُ بِالْحَفْرِ مَلَكَ حَرِيمَ ذَلِكَ الْمَحْفُورِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ (لَا) يُمْنَعُ مِنْ الْحَفْرِ (فِيمَا وَرَاءَهُ) أَيْ فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِمَا وَرَاءَهُ (فَإِنْ حَفَرَ أَحَدٌ) بِئْرًا (فِيهِ) أَيْ فِي دَاخِلِ الْحَرِيمِ (ضَمَّنَ) بِالتَّشْدِيدِ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي (النُّقْصَانَ) لِتَعُدِّي الثَّانِي بِتَصَرُّفِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ النُّقْصَانِ أَنْ يُقَوِّمَ الْأُولَى قَبْلَ حَفْرِ الثَّانِيَةِ وَبَعْدَهُ فَيَضْمَنُ نُقْصَانَ مَا بَيْنَهُمَا (وَيَكْبِسُ) الْأَوَّلُ بِنَفْسِهِ أَيْ يَمْلَؤُهَا بِالتُّرَابِ كَمَا إذَا هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يَبْنِيَ جِدَارَهُ بَلْ يَضْمَنُ قِيمَةَ بِنَائِهِ ثُمَّ يَبْنِيَ بِنَفْسِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ لَا يُضَمِّنُهُ النُّقْصَانَ وَأَنْ يَأْخُذَهُ بِكَبْسِ مَا احْتَفَرَهُ لِأَنَّ إزَالَةَ جِنَايَةِ حَفْرِهِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْكُنَاسَةِ يُلْقِيهَا فِي دَارِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِرَفْعِهَا وَمَا عَطِبَ فِي الْأُولَى فَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ أَمَّا إنْ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَظَاهِرٌ وَكَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِهِ عِنْدَهُمَا وَالْعُذْرُ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْحَفْرَ تَحْجِيرًا وَهُوَ تَسْبِيلٌ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَالْمُتَحَجِّرُ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَلَا يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُهُ بِدُونِ الْإِذْنِ وَمَا عَطِبَ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ حَيْثُ حَفَرَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ حَفَرَ) بِئْرًا بِأَمْرِ الْإِمَامِ (فِيمَا وَرَاءَهُ) أَيْ فِي غَيْرِ حَرِيمِ الْأَوَّلِ قَرِيبَةً مِنْهُ فَذَهَبَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأُولَى وَعَرَفَ أَنَّ ذَهَابَهُ مِنْ حَفْرِ الثَّانِي (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيمَا صَنَعَ وَالْمَاءُ تَحْتَ الْأَرْضِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ فِي تَحْوِيلِ مَاءِ بِئْرِهِ إلَى الْبِئْرِ الثَّانِي كَالتَّاجِرِ إذَا كَانَ لَهُ حَانُوتٌ فَاِتَّخَذَ آخَرُ بِجَنْبِهِ حَانُوتًا لِمِثْلِ تِلْكَ التِّجَارَةِ فَكَسَدَتْ تِجَارَةُ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ الثَّانِيَ كَمَا فِي الدُّرَرِ (وَلَهُ) أَيْ لِلَّذِي حَفَرَ فِيمَا وَرَاءَ الْحَرِيمِ مُتَّصِلًا بِحَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى (الْحَرِيمُ) مِنْ الْجَوَانِبِ الثَّلَاثَةِ (مِمَّا) أَيْ مِنْ جَانِبٍ (سِوَى حَرِيمِ) الْحَافِرِ (الْأَوَّلِ) لِسَبْقِ مِلْكِ الْحَافِرِ الْأَوَّلِ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِ حَفَرَ بَعِيدًا مِنْ حَرِيمِ الْبِئْرِ الْأُولَى.
(وَلِلْقَنَاةِ) أَيْ مَجْرَى الْمَاءِ تَحْتَ الْأَرْضِ (حَرِيمٌ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهَا) أَيْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقِيلَ لَا حَرِيمَ لَهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ مَاؤُهَا) عِنْدَهُ لِكَوْنِهَا جَوْفَ الْأَرْضِ كَالنَّهْرِ وَقِيلَ إنَّهُ مُفَوَّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ (وَعِنْدَهُمَا هِيَ) أَيْ الْقَنَاةُ (كَالْبِئْرِ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَرِيمِ.
(وَإِنْ ظَهَرَ مَاؤُهَا) أَيْ مَاءُ الْقَنَاةِ (فَهِيَ كَالْعَيْنِ) الْفَوَّارَةِ (إجْمَاعًا) فَيُقَدَّرُ حَرِيمُهَا بِخَمْسِمِائَةِ ذِرَاعٍ.
(وَلَا حَرِيمَ لِنَهْرٍ) فَهُوَ مَجْرًى كَبِيرٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ حِينٍ (فِي أَرْضِ الْغَيْرِ إلَّا بِحُجَّةٍ) أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ نَهْرٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ فَلَيْسَ لَهُ حَرِيمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى ثُبُوتِ الْحَرِيمِ لَهُ (وَعِنْدَهُمَا لَهُ) أَيْ لِلنَّهْرِ (مُسَنَّاةٌ) أَيْ مُسَنَّاةُ نَهْرِهِ لَأَنْ يَمْشِيَ عَلَيْهَا وَيُلْقِيَ طِينَهُ عَلَيْهَا قِيلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِنَاءً عَلَى مَنْ أَحْيَا نَهْرًا فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ بِإِذْنِ الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَرِيمَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَسْتَحِقُّهُ لَكِنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا إنَّ لَهُ الْحَرِيمَ بِالِاتِّفَاقِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِإِلْقَاءِ الطِّينِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ التَّتِمَّةِ وَهَذَا الْحَرِيمُ (بِقَدْرِ نِصْفِ عَرْضِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْحَاجَةُ الْغَالِبَةُ وَذَلِكَ بِنَقْلِ تُرَابِهِ إلَى حَافَّتَيْهِ فَيَكْفِي مَا ذَكَرْنَاهُ (وَبِقَدْرِ عَرْضِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُمْكِنُهُ إلْقَاءُ التُّرَابِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى إلْقَائِهِ فِي أَحَدِهِمَا فَيُقَدَّرُ فِي كُلِّ طَرَفٍ بِبَطْنِ النَّهْرِ وَالْحَوْضُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَهُمَا أَنَّهُ لَا انْتِفَاعَ بِالنَّهْرِ إلَّا بِالْحَرِيمِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ فِيهِ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً فِي بَطْنِهِ وَإِلَى إلْقَاءِ الطِّينِ وَلَا يُمْكِنُهُ النَّقْلُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ إلَّا بِحَرَجٍ فَيَكُونُ لَهُ الْحَرِيمُ اعْتِبَارًا بِالْبِئْرِ وَلَهُ أَنَّ الْحَرِيمَ ثَبَتَ فِي الْبِئْرِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي الْبِئْرِ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَاءِ الْبِئْرِ بِدُونِ الِاسْتِقَاءِ وَالِاسْتِقَاءُ إلَّا بِالْحَرِيمِ وَأَمَّا النَّهْرُ فَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَائِهِ بِدُونِ الْحَرِيمِ.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّهْرُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ وَلَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا كَالْغَرْسِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى وَإِنَّمَا قُلْنَا هُوَ مَجْرًى كَبِيرٌ لِأَنَّ الْمَجْرَى لَوْ كَانَ صَغِيرًا يَحْتَاجُ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَهُ الْحَرِيمُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْأَرْفَقُ) بِالنَّاسِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النَّهْرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (فَالْمُسَنَّاةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَتَفْرِيعٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْبُورِ يَعْنِي الْمُسَنَّاةَ الَّتِي (بَيْنَ النَّهْرِ) أَيْ بَيْنَ نَهْرِ رَجُلٍ صِفَةُ الْمُسَنَّاةِ (وَالْأَرْضُ) أَيْ وَأَرْضُ الْآخَرِ.
(وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدٍ) مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَرْسٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَصَاحِبُ الشَّغْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَرْسٌ لَا يُدْرَى مَنْ غَرَسَهُ فَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ (لِصَاحِبِ الْأَرْضِ) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ إذْ لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ عِنْدَهُ (فَلَا يَغْرِسُ فِيهَا صَاحِبُ النَّهْرِ وَلَا يُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ وَلَا يَمُرُّ) لِكَوْنِهَا تَعَدِّيًا مِنْهُ فِي حَقِّ مَالِكِهَا (وَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (الْمُرُورُ وَإِلْقَاءُ الطِّينِ) فِيهَا (مَا لَمْ يُفْحِشْ) وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقُّ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ وَلَكِنْ لَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ (وَعِنْدَهُمَا هِيَ) أَيْ الْمُسَنَّاةُ (لِرَبِّ النَّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْغَرْسُ وَالْإِلْقَاءُ وَالْمُرُورُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا كَمَا مَرَّ آنِفًا وَ (قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَخَذَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ) فَلَا يَغْرِسُ فِيهَا صَاحِبُ النَّهْرِ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقَّ مَالِكِهَا وَلَكِنْ يُلْقِي الطِّينَ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ.
(وَمَنْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا خَمْسَةَ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهِ انْتَهَى (يُمْنَعُ غَيْرُهُ مِنْ الْغَرْسِ فِيهِ) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَرِيمِ لِجِذَاذِ ثَمَرِهِ وَالْوَضْعِ فِيهِ.